المغرب بين التحول الرقمي وإصلاح الإدارة: ملامح مرحلة جديدة حتى 2030

أضيف بتاريخ 12/13/2025
منصة ذكاء


يبرز إعلان وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة في المغرب عن هدف تأهيل 100 ألف موهبة رقمية سنوياً في أفق 2030 كجزء من رؤية أشمل لربط تحديث الإدارة بالتنمية الرقمية والذكاء الاصطناعي. هذا التوجه لا يُقدَّم كشعار عام، بل يُدرج ضمن خريطة طريق للتحول الإداري 2026-2030 يجري إعدادها بهدف إعادة تنظيم عمل المرفق العمومي حول ثلاثية أساسية: رقمنة المساطر، تحسين جودة الخدمات، واعتماد منطق الإدارة المبنية على الأداء والنتائج. يظهر من المعطيات المتاحة أن هذه الخطة تأتي استجابة لتوجيهات ملكية وتقييمات مؤسساتية سابقة دعت إلى تجاوز اختلالات البيروقراطية التقليدية وإرساء إدارة أكثر شفافية وفعالية.

في هذا السياق، تتحرك الوزارة على ثلاثة مسارات متكاملة: تنزيل استراتيجية "المغرب الرقمي 2030"، إعداد خريطة طريق وطنية خاصة بالذكاء الاصطناعي، وتصميم خطة عمل مفصلة للتحول الإداري. يهدف هذا التقاطع إلى تعميم الخدمات العمومية الرقمية وتبسيطها، مع تقليص آجال المساطر الإدارية إلى النصف، ومضاعفة عائدات الصادرات الرقمية عبر دعم سلاسل القيمة المرتبطة بالخدمات التكنولوجية والبرمجيات. كما يتضمن التوجه الرسمي تشجيع الشركات الناشئة، وتحسين شروط نموها، وخلق بيئة تشريعية وتنظيمية تسهّل الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية ذات القيمة المضافة، مع حضور واضح لهاجس السيادة الرقمية، من خلال التحكم في البنى التحتية الحيوية والبيانات والمعطيات.

يحتل عنصر الرأسمال البشري موقعاً محورياً داخل هذه الرؤية، إذ تراهن الاستراتيجية على تأهيل 100 ألف موهبة رقمية سنوياً بحلول 2030، عبر مزيج من التكوين الأولي وإعادة التأهيل المهني وجلب الكفاءات. في هذا الإطار، يجري الحديث عن تطوير مسارات تعليمية متخصصة في الجامعات ومراكز التكوين المهني مرتبطة مباشرة باحتياجات سوق الشغل الرقمي، وعلى رأسها الأمن السيبراني، تطوير البرمجيات، إدارة البيانات والذكاء الاصطناعي. هذا التوجه يقترن باستثمارات في البنية التحتية الرقمية وشبكات الاتصال، وباعتماد آليات لقياس الأداء الإداري وتحسين تجربة المواطن من خلال واجهات رقمية موحدة تقلص الحاجة إلى التنقل بين الإدارات وتحد من التفاوت المجالي في الولوج إلى الخدمات.

جانب آخر من هذه الدينامية يتمثل في إطلاق نقاش وطني حول الذكاء الاصطناعي، تُوِّج بعقد مؤتمر وطني أول أفضى إلى شراكات مع مراكز بحث وجامعات وشركات تكنولوجية. الغاية المعلنة هي بناء منظومة ابتكار قادرة على إنتاج حلول رقمية محلية، مع برامج لرفع المهارات الرقمية لدى الطلبة والموظفين والفاعلين الاقتصاديين. في الوقت نفسه، يتم العمل على تقوية الإطار الحمائي للفضاء الرقمي، عبر تعزيز أنظمة حماية المعطيات الشخصية، ومراجعة الترسانة القانونية المرتبطة باستعمال الخوارزميات والبيانات الضخمة في الإدارة والخدمات المالية والاجتماعية، بما يحد من المخاطر المرتبطة بالمراقبة غير المشروعة أو التمييز الخوارزمي.

على المستوى العملي، تُترجم خريطة الطريق 2026-2030 هذه الاختيارات إلى حزمة من الإجراءات التشغيلية، من بينها رقمنة المساطر ذات الأثر الواسع على الحياة اليومية للمواطنين والمقاولات، وتوحيد الهوية الرقمية للمستعملين، وتنسيق المنصات والبوابات بين مختلف القطاعات. هذا المنظور يسعى إلى الانتقال من تجارب متفرقة إلى منظومة رقمية منسقة، تعتمد معايير تقنية وتنظيمية مشتركة بين الإدارات، بما يدعم تنافسية الاقتصاد الوطني عبر تقليص كلفة المعاملات وتسريع معالجة الملفات وتعزيز ثقة الفاعلين في القنوات الرقمية الرسمية.

إقليمياً، يندرج إطلاق "المركز الرقمي من أجل التنمية المستدامة (D4SD)" بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اتجاه توسيع نطاق هذا التحول خارج الحدود الوطنية. يقدم هذا المركز نفسه كمنصة للتعاون وتبادل الخبرات وبناء القدرات لفائدة البلدان العربية والإفريقية، مع التركيز على توظيف الرقمنة كأداة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. في هذا الإطار، يبرز رهان مغربي على لعب دور مرجعي في الفضاء الرقمي الإقليمي، عبر المساهمة في بلورة فضاء عربي-إفريقي متكامل يعتمد على نقل المعرفة، دعم الابتكار المشترك، وتطوير حلول رقمية موجهة لرهانات التنمية، من التعليم والصحة إلى الإدارة والخدمات الأساسية. بهذه المعالم، يتخذ التحول الرقمي في المغرب شكل مشروع بنيوي طويل الأمد، تتقاطع فيه إصلاحات الإدارة مع سياسات التشغيل، والتعليم، وجاذبية الاستثمار، ضمن أفق زمني يمتد حتى 2030.