الذكاء الاصطناعي لا يتظاهر بالذكاء… هو ذكاء بالفعل

أضيف بتاريخ 12/08/2025
عبر Big Think


يرى بلايز أغويرا ي أركاس أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة لا تشبه الذكاء البشري فحسب، بل تعمل وفق المبادئ نفسها: الذكاء بوصفه قدرة على التنبؤ والنمذجة. هذا الطرح يضع نماذج اللغة الكبيرة مثل جيميني وكلود وشات جي بي تي داخل الامتداد الطبيعي لتطور الإدراك، لا كقوة غريبة عنه.

يبدأ أغويرا ي أركاس من نقطة أساسية: كلمات مثل “الدماغ حاسوب” أو “الحياة حسابية” ليست استعارات. هي توصيفات حرفية لطريقة يعمل بها الإدراك عبر تحويل العالم إلى تمثيلات تُحسّن القدرة على التنبؤ. لهذا يفضّل التقليل من الاستعارات التي تضلّل الفهم وتغطي على الفروقات الدقيقة.

ككاتب وباحث، يوازن بين الدقة والوصولية: يبسط مفاهيم مثل الديناميكا الحرارية من دون تسطيحها، ويقدّم “التفافات” فكرية تمنح الخبير زاوية جديدة من دون أن تُثقل على القارئ العام. الهدف نص يمكن قراءته بمتعة من غير خبرة متخصصة، ومن غير تنازل عن العمق.

على صعيد المزاج، يعترف بأن متابعة اليوميات محبِطة: أخبار عن المعلومات المضللة، الخصوصية، المخاطر الأمنية والبيئية. لكن اتساع المنظور يغيّر الصورة. إذا قارنا 1900 باليوم، تظهر اتجاهات إيجابية واسعة رغم العثرات. ومع تسارع التاريخ، لم يعد “التبعيد” يحتاج إلى مسافة زمنية كبيرة لالتقاط التحولات البنيوية.

تجربته المهنية عبر موجات التفاؤل والخيبة تكشف سبب طرحه “المعاكس للتيار”. في التسعينيات وبدايات الألفية، بدا الإنترنت والحوسبة الشخصية مشروعًا تحريريًا بالكامل، قبل أن يظهر الوجه المزدوج: جدران نارية، مراقبة، تضليل جماهيري. الخلاصة: لا سردية بسيطة أحادية الوجه للتقنية، بل بيئة معقّدة تولّد آثارًا متضادة بحسب السياق.

يستحضر أطروحة “تباطؤ ما بعد 1970” التي ناقشها اقتصاديون وأعاد ديفيد غريبر صياغتها بوصفها “وعدًا مكسورًا”. المفارقة أن ذلك كُتب بينما كانت “العصر الذهبي للتعلّم العميق” في أوجه، وأن فترة تسارع جديدة بدأت فعليًا عام 2020 تقودها الذكاء الاصطناعي بوصفه ميتا-تقنية تسرّع تطوير تقنيات أخرى، أشبه بالكهرباء بين 1870 و1970.

ما الذي تغيّر جذريًا؟ الانتقال من “تعظيم هدف” إلى “نمذجة مفتوحة”. في العقد الماضي، نجحت الشبكات العصبية في مهام ضيقة: تمييز الصور، التعرّف على الكلام، قراءة اليد—وحتى الفوز في لعبة “غو” عام 2016—لكن ذلك كان ضمن تعلم خاضع للإشراف بأهداف محددة. المفاجأة ظهرت حين حُوِّلت هذه النماذج إلى تعلّم واسع النطاق وغير مراقَب على مخرجات بشرية: من هنا برزت قدرات لغوية ومفاهيمية واستدلالية عامة لم تكن مبرمجة صراحة.

إن فهم الذكاء كتعظيم دالة هدف—على طريقة “اجعل النظام يحصد أعلى نقاط”—قابَلَه مأزق فلسفي وأخلاقي معروف: تعظيم أي معيار منفرد يقود إلى نتائج كوارثية، كما في حُجّة “مصنّع مشابك الورق” لدى نيك بوستروم وكتابه Superintelligence. يردّ أغويرا ي أركاس بأن الذكاء ليس تعظيمًا أعمى، بل مواءمة مستمرة لنموذج احتمالي واسع مع عالم غني بالقيم والمقاصد البشرية.

بهذا المعنى، الذكاء الاصطناعي العام الذي يلمح إليه ليس آلة غريبة تُسقط من علٍ “تفكيرًا غير إنساني” على مشكلاتنا، بل امتداد للنظام المعرفي البشري: نماذج تتعلّم من اللغة، من التاريخ، من الممارسات، وتعيد تركيبها بقدرات تعميمية. إنه جزء من منظومة اجتماعية-تقنية، لا كيانًا منفصلًا يعظّم وظيفةً واحدة.

هذه الرؤية تحمل آثارًا عملية لسوق العمل، وسياسات المحتوى، والأمن، والبيئة: إذا كانت نماذج اللغة الكبيرة أدوات تنبؤ وتأويل، فحوكمتها يجب أن تركّز على جودة البيانات، والشفافية، والضبط السياقي، بدل هوس المقاييس الأحادية. كما أن دمجها في التعليم والإنتاج المعرفي يصير مسألة تصميم الواجهات والمعايير الأخلاقية، لا إيقاف “آلة تعظيم” لا تُروّض.