بات ازدحام صناديق البريد الإلكتروني في الصباح الباكر يمثل أزمة حقيقية للمهنيين والشركات على حد سواء، حيث تُهدر ساعات ثمينة في فرز الرسائل والرد على البريد المتراكم. تزداد خطورة هذا الواقع حين يدفع بالموظفين الأكفاء إلى الاستقالة، لتتكبد الشركات خسائر فادحة بسبب فقدان الخبرة وتعطل الإنتاجية.
تشير الأرقام الحديثة إلى أن أكثر من نصف الموظفين في الولايات المتحدة عمدوا إلى البحث عن فرص عمل جديدة أواخر 2024، مدفوعين بضغوط العمل الممل والتكراري. في الوقت نفسه، لجأت 91% من الشركات إلى أدوات الذكاء الاصطناعي لتقليص المهام الإدارية، ما وفر أكثر من ثلاث ساعات ونصف أسبوعياً للفرق.
استخدام منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل Superhuman، أحدث نقلة نوعية في إدارة البريد الإلكتروني. فبدلاً من الاكتفاء بتسريع الأعمال الروتينية، باتت المهام الرتيبة تُلغى كلياً: تصنيف الرسائل الأهم آلياً، توليد ردود بنبرة المستخدم نفسها، وتكثيف المحادثات الطويلة في نقاط قرار مختصرة. هذا النوع من الأتمتة لم يكتف بتسريع سير العمل، بل زاد من التركيز وحسّن معدلات الاحتفاظ بالمواهب، إذ يستعيد الموظفون ساعتين أسبوعياً للعمل على المشاريع الإبداعية والاستراتيجية.
ومع ارتفاع الرواتب في القطاعات الأكثر انخراطاً في الذكاء الاصطناعي بمعدل الضعف مقارنة بغيرها، وارتفاع أجور الموظفين المتمكنين من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بنسبة 56% في 2024، تبدو الشركات الرائدة هي تلك التي تعزز قدرات البشر بدلاً من الاستغناء عنهم.
الرهان الأكبر اليوم لم يعد على تحسين المهام المملة فحسب، بل في استئصالها جذرياً وتقديم حلول ذكية تندمج بسلاسة مع نظم العمل، تسرع الاستجابة، وتحافظ على الطابع الشخصي في التواصل. هذه التحولات ليست ترفاً، بل ضرورة للبقاء في سباق الأعمال، خاصة مع توقعات بأن الذكاء الاصطناعي سيضيف 12 مليون وظيفة إضافية بحلول 2025 عبر إزالة الأعباء المتكررة وتحرير الطاقات البشرية للابتكار.