في السنوات الأخيرة، شهد العالم تطورًا مذهلًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تجاوزت هذه التقنيات حدود التوقعات لتصبح قادرة على إعادة تشكيل الخطاب العام، بل وحتى إحياء أصوات من رحلوا عن عالمنا. في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، ظهرت مبادرات رقمية تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج مقاطع فيديو تعيد إلى الواجهة كلمات ورسائل لجنود ومدنيين فقدوا حياتهم في النزاع، لتخاطب أحبائهم أو الجمهور برسائل مؤثرة تحمل طابعًا إنسانيًا عميقًا.
هذه الظاهرة تفتح الباب أمام تساؤلات أخلاقية واجتماعية حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة عندما يتعلق الأمر بإحياء ذكرى الموتى أو توظيف أصواتهم في سياقات سياسية أو إعلامية. من جهة أخرى، تكشف هذه المقاطع عن قدرة الذكاء الاصطناعي على التأثير في المشاعر الجماعية وصياغة السرديات الوطنية، حيث تصبح الحقيقة والذاكرة متداخلتين في فضاء رقمي يصعب فيه التمييز بين ما هو واقعي وما هو مُصطنع.
إن استخدام الذكاء الاصطناعي لتجسيد أصوات الموتى يعكس تحولات عميقة في علاقة المجتمعات بالتكنولوجيا والذاكرة، ويطرح تحديات جديدة أمام القوانين والأعراف المتعلقة بالخصوصية والاحترام للمتوفين. كما يبرز دور الذكاء الاصطناعي كأداة قوية في تشكيل الرأي العام وتوجيه العواطف، سواء في أوقات الحرب أو السلم.
تظل هذه التطورات التقنية سيفًا ذا حدين: فهي تتيح إمكانيات غير مسبوقة للتواصل والتأثير، لكنها في الوقت نفسه تفرض مسؤوليات أخلاقية وقانونية تتطلب نقاشًا مجتمعيًا واسعًا حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وحدود تدخله في حياة الأفراد وذاكرة الأمم.

