كانت شركة "Builder.ai" (المعروفة سابقًا باسم Engineer.ai) تروي قصة نجاح استثنائي. بدأت الشركة التي أسسها ساشين ديف دجل في لندن عام 2016، مسيرتها كرائدة في مجال منصات "لا كود" و"لو كود"، حيث وعدت المستخدمين بإمكانية إنشاء تطبيقات ببساطة شديدة، مستعينة بمساعدها الافتراضي "ناتاشا"، الذي قيل إنه ذكاء اصطناعي ثوري قادر على توليد الأكواد البرمجية تلقائيًا من مجرد أوامر نصية
شقت الشركة طريقها بسرعة بين كبار المستثمرين، حيث جمعت أكثر من 450 مليون دولار من أسماء مرموقة مثل مايكروسوفت وصندوق قطر للاستثمار وسوفت بنك ديب كور والبنك الدولي، ووصلت قيمتها السوقية إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار. بلغ الأمر حد إدماج خدماتها في منصة مايكروسوفت كلاود، مما عزز من مصداقيتها على الساحة العالمية.
لكن خلف هذا اللمعان التقني، كانت الحقيقة أكثر قتامة. بدأت التحقيقات والمراجعات الداخلية في كشف الستار عن الواقع: لقد كان معظم العمل الذي نُسب إلى الذكاء الاصطناعي يتم يدويًا بواسطة مئات المهندسين في الهند، وليس بواسطة أي خوارزمية متقدمة. هؤلاء المطورون كانوا يكتبون الأكواد بأنفسهم، بينما يتم تقديم النتائج للمستخدمين وكأنها نتاج فوري ودقيق لذكاء اصطناعي متطور. كما اتضح أن الشركة تضخمت أرقام إيراداتها بشكل كبير، فادعت تحقيق 220 مليون دولار في 2024 بينما كان الرقم الحقيقي لا يتجاوز 50 مليون دولار.
لم يقتصر الأمر على الكذب التقني، بل امتد ليشمل التلاعب بالبيانات المالية وتضليل المستثمرين. وقد دفع ذلك كبار المستثمرين إلى استرداد أموالهم أو جزء منها، بينما اضطرت الشركة إلى تسريح معظم موظفيها وإغلاق خدماتها، وواجهت إجراءات إفلاس في عدة دول بينها بريطانيا والهند والولايات المتحدة. كما تواجه الشركة ديونًا ضخمة لشركات كبرى مثل أمازون ومايكروسوفت بسبب خدمات سحابية غير مدفوعة، بالإضافة إلى تحقيقات قانونية حول ممارساتها الاحتيالية.
قصة سقوط "Builder.ai" ليست مجرد فشل شركة ناشئة، بل هي درس صارخ حول مخاطر "غسل الذكاء الاصطناعي" (AI washing) الذي ينتشر في عالم التكنولوجيا، حيث يتم تضخيم قدرات الذكاء الاصطناعي أو حتى اختلاقها لجذب الاستثمارات. كما تسلط الضوء على أهمية الشفافية والتدقيق المالي والتقني قبل الاستثمار في أي مشروع تقني واعد. هذه الحادثة تذكر الجميع بأن الثقة لا يمكن أن تبنى على وعود غير حقيقية، وأن الحقيقة تظل دائمًا أقوى من أي قصة نجاح مزيفة.