في السنوات الأخيرة، شهدت مؤسسات عديدة موجة متسارعة من إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها اليومية. لطالما صُوِّرت هذه التقنيات على أنها "المتدرب المثالي"—يعمل بلا كلل، وينتج بشكل متواصل، ولا يكلّف المؤسسة شيئاً تقريباً. لكن مع تعمق التجربة، بدأت حقيقة مغايرة بالظهور: معظم الأعمال التي تُنتجها برامج الذكاء الاصطناعي تتطلب تدخلاً بشرياً كثيفاً لإصلاحها وتنقيحها.
فبدلاً من تخفيف أعباء الموظفين، أصبحت الفرق التقنية وغرف التحرير تقضي وقتاً أطول في مراجعة وتصحيح نتائج الذكاء الاصطناعي. ظاهرة جديدة تعرف باسم "workslop"—أي الأعمال الرديئة المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي—فرضت نفسها بقوة في البيئات المهنية. تشير بيانات حديثة من جامعة ستانفورد إلى أن نحو 40% من الموظفين استلموا هذا الشهر ملفات أو تقارير صادرة عن الذكاء الاصطناعي كان عليهم إعادة كتابتها جزئياً أو بالكامل.
هكذا وُلد دور جديد في المؤسسات يُعرف بـ"منظف فوضى الذكاء الاصطناعي". يمكن القول إن المشهد يشبه إلى حد كبير التعامل مع متدرب قليل الخبرة، مع الفارق أن الذكاء الاصطناعي لا يتذمر ولا يطالب بتذكرة طعام. مع ذلك، يتطلب الأمر طاقة مضاعفة لتصحيح النصوص، وتجاوز العثرات اللغوية، وتنظيف المعلومات المغلوطة أو السطحية.
رغم ذلك، لا ينكر البعض منافع الذكاء الاصطناعي كأداة تتعلّم بسرعة وتتطور باستمرار. التحدي الأكبر اليوم لم يعد في القدرة على إنتاج النصوص أو التقارير بشكل آلي، بل في ضمان جودتها ومصداقيتها وسلامتها اللغوية. المهارات البشرية—خاصة التفكير النقدي والتحليل والمراجعة—باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ بدونها سيغزو "الضجيج الآلي" ساحات الإعلام الرقمي ومكاتب العمل.